الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}قال المفسرون: لما قال يعقوب: {وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ الله مِن شَيء} [يوسف: 67] صدقه الله في ذلك فقال: وما كان ذلك التفرق يغني من الله من شيء وفيه بحثان:البحث الأول:قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك التفرق ما كان يرد قضاء الله ولا أمرًا قدره الله.وقال الزجاج: إن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم وهم مجتمعون.وقال ابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم عند الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم، وهذه الكلمات متقاربة، وحاصلها أن الحذر لا يدفع القدر.البحث الثاني:قوله: {مِن شَيء} يحتمل النصب بالمفعولية والرفع بالفاعلية.أما الأول: فهو كقوله: ما رأيت من أحد، والتقدير: ما رأيت أحدًا، فكذا هاهنا تقدير الآية: أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئًا، أي ذلك التفرق ما كان يخرج شيئًا من تحت قضاء الله تعالى.وأما الثاني: فكقولك: ما جاءني من أحد، وتقديره ما جاءني أحد فكذا هاهنا التقدير: ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه.أما قوله: {إِلاَّ حَاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} فقال الزجاج: إنه استثناء منقطع، والمعنى: لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها، يعني أن الدخول على صفة التفرق قضاء حاجة في نفس يعقوب قضاها، ثم ذكروا في تفسير تلك الحاجة وجوهًا: أحدها: خوفه عليهم من إصابة العين، وثانيها: خوفه عليهم من حسد أهل مصر، وثالثها: خوفه عليهم من أن يقصدهم ملك مصر بشر، ورابعها: خوفه عليهم من أن لا يرجعوا إليه، وكل هذه الوجوه متقاربة.وأما قوله: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلَّمْنَاهُ} فقال الواحدي: يحتمل أن يكون: {مَا} مصدرية والهاء عائدة إلى يعقوب، والتقدير: وإنه لذو علم من أجل تعليمنا إياه، ويمكن أن تكون: {مَا} بمعنى الذي والهاء عائدة إليها، والتأويل وإنه لذو علم للشيء الذي علمناه، يعني أنا لما علمناه شيئًا حصل له العلم بذلك الشيء وفي الآية قولان آخران: الأول: أن المراد بالعلم الحفظ، أي أنه لذو حفظ لما علمناه ومراقبة له والثاني: لذو علم لفوائد ما علمناه وحسن آثاره وهو إشارة إلى كونه عاملًا بما علمه، ثم قال: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} وفيه وجهان: الأول: ولكن أكثر الناس لا يعلمون مثل ما علم يعقوب.والثاني: لا يعلمون أن يعقوب بهذه الصفة والعلم، والمراد بأكثر الناس المشركون، فإنهم لا يعلمون بأن الله كيف أرشد أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة. اهـ.
|